الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق **
اعلم أرشدك اللّه تعالى أنه لا بد لكون الكتاب سماويًا واجب التسليم أن يثبت أولًا بدليل تام أن هذا الكتاب كتب بواسطة النبي الفلاني ووصل بعد ذلك إلينا بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل، والاستناد إلى شخص ذي إلهام بمجرد الظن والوهم لا يكفي في إثبات أنه من تصنيف ذلك الشخص، وكذلك مجرّد ادعاء فرقة أو فرق لا يكفي فيه، ألا ترى أن كتاب المشاهدات والسِّفر الصغير للتكوين، وكتاب المعراج، وكتاب الأسرار، وكتاب تِستمنت، وكتاب الإقرار منسوبة إلى موسى عليه السلام، وكذلك السفر الرابع لعِزْرا منسوب إلى عِزرا، وكتاب معراج أشعيا، وكتاب مشاهدات أشعيا منسوبان إلى أشعيا عليه السلام، وسوى الكتاب المشهور لأرميا عليه السلام كتاب آخر منسوب إليه، وعدة ملفوظات منسوبة إلى حيقوق عليه السلام وعدة زبورات منسوبة إلى سليمان عليه السلام. ومن كتب العهد الجديد سوى الكتب المذكورة كتب جاوزت سبعين منسوبة إلى عيسى ومريم والحواريين وتابعيهم. والمسيحيون الآن يدّعون أن كلًا من هذه الكتب من الأكاذيب المصنوعة، واتفق على هذه الدعوى كنيسة ألكريك وكاثلك والبروتستنت، وكذلك السفر الثالث لعزرا منسوب إلى عزرا وعند كنيسة ألكريك جزء من العهد العتيق ومقدس واجب التسليم. وعند كنيسة الكاثلك والبروتستنت من الأكاذيب المصنوعة كما ستعرف هذه الأمور مفصلة في الباب الثاني إن شاء اللّه تعالى، وقد عرفت في الفصل الأول أن كتاب باروخ وكتاب طوبيا وكتاب يهوديت وكتاب وزدم، وكتاب ايكليزيا ستيكس وكتابي المقابيين وجزء من كتاب استير، واجبة التسليم عند الكاثلك وواجبة الرد عند البروتستنت. فإذا كان الأمر كذلك فلا نعتقد بمجرد استناد كتاب من الكتب إلى نبي أو حواري أنه إلهامي أو واجب التسليم، وكذلك لا نعتقد بمجرد ادعائهم بل نحتاج إلى دليل، ولذلك طلبنا مرارًا من علمائهم الفحول السند المتصل فما قدروا عليه، واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال: إن سبب فِقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلثمائة وثلاث عشرة سنة، وتفحصنا في كتب الإسناد لهم فما رأينا فيها شيئًا غير الظن والتخمين، يقولون بالظن ويتمسكون ببعض القرائن، وقد قلت إن الظن في هذا الباب لا يغني شيئًا، فما دام لم يأتوا بدليل شاف وسند متصل فمجرد المنع يكفينا، وإيراد الدليل في ذمتهم لا في ذمتنا لكن على سبيل التبرع أتكلم في هذا الباب، ولما كان التكلم على سند كل كتاب مفضيًا إلى التطويل الممل فلا نتكلم إلا على سند بعض من تلك الكتب فأقول وباللّه التوفيق:
إن لا سند لكون هذه التوراة المنسوبة (25) إلى موسى عليه السلام من تصنيفاته ويدل عليه أمور:
(الأمر الأول) ستعرف إن شاء اللّه في الباب الثاني في جواب المغالطة الرابعة في بيان الأمر الأول والثاني والثالث من الأمور التي يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم أن تواتر هذه التوراة منقطع قبل زمان يوشيا بن آمون، والنسخة التي وجدت بعد ثماني عشرة سنة من جلوسه على سرير السلطنة لا اعتماد عليها يقينًا، ومع كونها غير معتمدة ضاعت هذه النسخة أيضًا غالبًا قبل حادثة بختنصر، وفي حادثته انعدمت التوراة وسائر كتب العهد العتيق عن صفحة العالم رأسًا، ولما كتب عِزرا هذه الكتب على زعمهم ضاعت نسخها وأكثر نقولها في حادثة أنتيوكس .
(الأمر الثاني) جمهور أهل الكتاب يقولون: إن السفر الأول والثاني من أخبار الأيام صنفهما عزرا عليه السلام بإعانة حجّي وزكريا الرسولين عليهما السلام، فهذان الكتابان في الحقيقة من تصنيف هؤلاء الأنبياء الثلاثة، وتناقض كلامهم في الباب السابع والثامن من السفر الأول في بيان أولاد بنيامين، وكذا خالفوا في هذا البيان هذه التوراة المشهورة بوجهين: الأول في الأسماء والثاني في العدد، حيث يفهم من الباب السابع أن أبناء بنيامين ثلاثة، ومن الباب الثامن أنهم خمسة، ومن التوراة أنهم عشرة، واتفق علماء أهل الكتاب أن ما وقع في السفر الأول غلط، وبينوا سبب وقوع الغلط: أن عزرا ما حصل له التمييز بين الأبناء وأبناء الأبناء، وأن أوراق النسب التي نقل عنها كانت ناقصة، وظاهرٌ أن هؤلاء الأنبياء الثلاثة كانوا متبعين للتوراة فلو كانت توراة موسى هي هذه التوراة المشهورة لما خالفوها ولما وقعوا في الغلط، ولما أمكن لعزرا أن يترك التوراة ويعتمد على الأوراق الناقصة، وكذا لو كانت التوراة التي كتبها عزرا مرة أخرى بالإلهام على زعمهم هي هذه التوراة المشهورة لما خالفها، فعلم أن التوراة المشهورة ليست التوراة التي صنفها موسى ولا التي كتبها عزرا، بل الحق أنها مجموع من الروايات والقصص المشتهرة بين اليهود وجَمعها أحبارُهم في هذا المجموع بلا نقد للروايات، وعلم من وقوع الغلط من الأنبياء الثلاثة أن الأنبياء كما أنهم ليسوا بمعصومين عن صدور الكبائر عند أهل الكتاب فكذلك ليسوا بمعصومين عن الخطأ في التحرير والتبليغ، وستعرف هذه الأمور في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من الباب الثاني. (الأمر الثالث) مَنْ قابل الباب الخامس والأربعين والسادس والأربعين من كتاب حزقيال بالباب الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من سفر العدد وجد تخالفًا صريحًا في الأحكام، وظاهر أن حزقيال عليه السلام كان متبع التوراة فلو كانت التوراة في زمانه مثل هذه التوراة المشهورة لما خالفها في الأحكام، وكذلك وقع في التوراة في مواضع عديدة أن الأبناء تؤخذ بذنوب الآباء إلى ثلاثة أجيال، ووقع في الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال: "النفس التي تخطئ فهي تموت والابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن، وعدل العادل يكون عليه ونفاق المنافق يكون عليه" فعلم من هذه الآية أن أحدًا لا يؤخذ بذنب غيره وهو الحق كما وقع في التنزيل
|